كيف تستخدم إسرائيل المتاحف سلاحًا لمحو الفلسطينيّين؟ | ترجمة

واجهة متحف «بيت البالماح» | ويكيميديا.

 

العنوان الأصليّ: How Israel weaponises museums to erase Palestinian existence.

الكاتب: سومديب سِن.

المصدر: الجزيرة الإنجليزيّة. 

ترجمة: علاء سلامة.

 


 

محو فلسطين والفلسطينيّين مهمّة من مهامّ الدولة الإسرائيليّة، فأسطورة عدم وجود الفلسطينيّين جزء أساسيّ من أسس تأسيسها. خلال النكبة في عام 1948، كانت هذه المهمّة واضحة بشكل كامل، عندما مُحِيَت المجتمعات الفلسطينيّة من الأرض في حملة عسكريّة منهجيّة.

يُظْهِر العنف المستمرّ الّذي يمارسه المستوطنون، بحصانة كاملة، ضدّ المجتمعات الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة المحتلّة، أنّ هذه الرغبة في محو فلسطين والفلسطينيّين ما زالت مستمرّة حتّى اليوم. لكنّ هذا الإلغاء لا ينحصر في مجرّد الفعل المادّيّ الّذي يهدف إلى جعل الفلسطينيّين غير مرئيّين، بل يكون بنفس القدر من خلال القصص الّتي تُرْوى عن الماضي. للمتاحف الإسرائيليّة دور مهمّ في هذا المحو، بصفتها مشاركًا فعّالًا في هذا الجهد الاستعماريّ.

 

رعب المتاحف الإسرائيليّة

لاحظت ذلك أثناء عملي الميدانيّ في «الجامعة العبريّة» في القدس، في حرم جبل المشارف في عام 2015. يبدو الحرم اليوم متحفًا يحتفل بتراث التاريخ اليهوديّ؛ إذ إنّه مليء بالآثار - مثل تمثال من الرخام لحاكم من «معبد أوغسطس» في السامرة الّذي بناه الملك هيرودس، وحجر من الجدار الثالث للمعبد الثاني الّذي يزيّن واجهة «معهد الآثار». الفكرة هي عرض الطابع الإسرائيليّ للأرض - مع الاستمرار بشكل متعمّد في تجاهل حقيقة أنّ الجامعة مبنيّة أصلًا على أرض فلسطينيّة مسروقة.

«متحف برج داود» يفعل شيئًا مماثلًا. رسميًّا، يشير موقع المتحف إلى أنّ حصن القدس هو "نقطة التقاء القديم والحديث؛ الشرق والغرب؛ التاريخ والابتكار؛ الخبرة والإبداع"، وأنّ المتحف يعرض تاريخ القدس المتشابك، مع أهمّيّة القلعة لليهوديّة والمسيحيّة والإسلام. ومع ذلك، اتُّهِم المتحف منذ فترة طويلة بمحو تراث القلعة الإسلاميّ والفلسطينيّ بشكل منهجيّ. بعد أن استولت إسرائيل على الموقع، منعت السلطات الصلاة في المساجد الّتي فيه. وأزالت «هيئة الآثار» الإسرائيليّة القبّة والهلال عن القلعة. وتُظْهِر اللافتات الّتي تحدّد الآثار بوضوح الطابع اليهوديّ للمدينة والآفاق الوطنيّة الإسرائيليّة.

يدّعي متحف «على خطّ التماسّ» (מוזיאון על התפר) أنّه يروي التاريخ المقسّم للقدس، وأنّ معارضه تهدف إلى "طرح قضايا اجتماعيّة متنوّعة للنقاش العامّ، وتقريب وجهات النظر". ومع ذلك، في الواقع، يقومون بالقليل للاعتراف بأنّ المبنى الّذي يضمّ المتحف كان ملكًا لعائلة بركامي الفلسطينيّة، الّتي هُجِّرَت من القدس خلال النكبة.

تعمل المتاحف الّتي تحتفل بدور المنظّمات العسكريّة اليهوديّة خلال إنشاء إسرائيل أيضًا، على الحفاظ على أسطورة عدم وجود الفلسطينيّين. ارتكبت هذه المنظّمات الكثير من العنف في أماكن مثل يافا وحيفا وعكّا وطبريّا خلال النكبة. أسّست المنظّمة العسكريّة «بالماح»، على سبيل المثال، مستوطنات إسرائيليّة جديدة، وكانت نشطة في عمليّات التطهير في المجتمعات الفلسطينيّة الريفيّة.

 

من «متحف الشعب الفلسطينيّ» في واشنطن | المصدر: موقع المتحف. 

 

عندما زرت «بيت هابالماح»، أو «متحف بالماح»، في تل أبيب في عام 2013، بدا أنّ هذه السياسة المبنيّة على الإلغاء مستمرّة. في وقت زيارتي، المعروضات في المتحف كانت ثلاثيّة الأبعاد، وسار الزوّار خلال إعادة تمثيل سينمائيّة لحياة مجنّد شابّ في الـ «بالماح» خلال ’حرب الاستقلال‘ الإسرائيليّة. ورغم أنّ الهدف الرئيسيّ من عنف الـ «بالماح» كان المجتمعات الفلسطينيّة، كانت فلسطين والفلسطينيّون غائبين عن القصّة. في الواقع، لم يُسْتَخدَم مصطلحا فلسطين والفلسطينيّ في الفيلم قطّ. بدلًا من ذلك، أُشير إلى الفلسطينيّين ببساطة باسم العرب. هذا، في حدّ ذاته، يرمز إلى نوع من عدم الاعتراف بالفلسطينيّين مجتمعًا وطنيًّا متميّزًا عن غيره في العالم العربيّ.

ولكن حتّى عندما تُطُرِّق إلى وجود الفلسطينيّين (أو العرب)، دُفِع سريعًا إلى هامش السرد. تحديدًا، كان ثمّة فقط حالتان فيها ذكر العرب؛ الأولى كانت عندما أشارت الشخصيّات في الفيلم إلى المقاتلين الفلسطينيّين باسم ’عصابات عربيّة متجوّلة‘ فقط. والثانية كانت خلال مناقشة بين مجنّدين من الـ «بالماح»؛ حيث يظهران للحظة وهما يتألّمان بشأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيّين.

يسأل مجنّد: "ماذا يجب أن نفعل مع اللاجئين؟"، يجيب الآخر بنبرة غير مبالية: "افعل ما تعتقد أنّه الأفضل". كأنّ كلا الشخصيّتين لا يعرفان كيف أصبح هؤلاء اللاجئون لاجئين، ويبدو أنّهما ببساطة لا يهتمّان بالمأساة الّتي كانت الطرد الجماعيّ للفلسطينيّين من وطنهم.

بدا محو الفلسطينيّين واضحًا أيضًا خلال زيارتي في عام 2015 إلى متحف الـ «هاجاناه» في تل أبيب، خاصّة في المعرض حول الثورة الكبرى (1936-1939) ضدّ الانتداب البريطانيّ وسياسته في تشجيع الهجرة اليهوديّة بلا نهاية.

وصفت المؤرّخة روزماري صايغ الثورة بأنّها واحدة من أوائل الانفجارات الوطنيّة الكبيرة للفلّاحين الفلسطينيّين، في مسار التحرير الفلسطينيّ الطويل. كانت الردود العنيفة من الفصائل اليهوديّة الشبه العسكريّة مثل الـ «هاجاناه» مقدّمة للنكبة. وكانت للثورة أهمّيّة إقليميّة باعتبارها أطول "كفاح متمرّد مضادّ للإمبراطوريّة في العالم العربيّ"، حتّى بداية حرب الاستقلال الجزائريّة.

لكنّ المعرض في المتحف لا يعترف بالأهمّيّة التاريخيّة للثورة، أو وجود الشعب الفلسطينيّ وقضيّتهم الوطنيّة. بدلًا من ذلك، يصف الثورة الكبرى ببساطة بأنّها ’أعمال شغب‘ و’اضطرابات دمويّة‘ قادها العرب في فلسطين واستهدفت اليهود، بالإضافة إلى البريطانيّين. يترك الزائر المتحف حاملًا الانطباع بأنّ الثورة كانت ممارسة عنيفة لم يكن لها سبب أو هدف آخر، غير إلحاق الضرر بالسكّان اليهود.

 

المتاحف والاستعمار

بالطبع، اسْتُخْدمت المتاحف بشكل عامّ منذ فترة طويلة وسيلة لعرض القوّة الاستعماريّة، ومغامرات بناء الإمبراطوريّة والاحتفاء بها. زعم المؤرّخ روبرت ألدريتش أنّ "بناء الإمبراطوريّة، وبناء المتحف، سارا جنبًا إلى جنب".

عيّنات النباتات والحيوانات؛ التماثيل والأحجار الكريمة؛ المومياوات والجماجم - الّتي جُمِعَت أو سُرِقَت - الّتي تُعْرَض في المتاحف، غالبًا ما تساعد في إقامة السرد المهيمن حول الشعوب والثقافات ’البدائيّة‘، في أراضٍ بعيدة وغريبة.

أنشأ ليوبولد الثاني «المتحف الملكيّ لأفريقيا الوسطى» في بروكسل في عام 1898؛ من أجل الاحتفال بنشاط بلجيكا في ’تحضير‘ الكونغو، وصدّ منتقدي سياساته القمعيّة هناك، وإعلان التفوّق الحضاريّ للبلجيكيّين مقارنة بـ "القبائل الكونغوليّة غير المتحضّرة".

في هاواي، في «أكاديميّة هونولولو للفنون» أو «متحف بيشوب»، تشير المعروضات بشكل طفيف فقط إلى الاستعمار. وهذا الإغفال يهدف إلى الاستمرار بالجهل حول الإطاحة بمملكة هاواي، من قِبَل رجال الأعمال البيض والجيش الأمريكيّ، والعمليّة العنيفة الّتي أصبحت من خلالها هاواي مستوطنة استعماريّة أمريكيّة.

«المتحف البريطانيّ» في بلومسبري، لندن، هو أحد أروع الأمثلة على سير بناء الإمبراطوريّة وبناء المتحف جنبًا إلى جنب. إنّ اتّساع المعارض، وما تحتويه من آثار قادمة من جميع أنحاء العالم، استعارة للقوّة اللامحدودة للإمبراطوريّة البريطانيّة. وقد وصف المؤرّخون أيضًا مجموعة معروضات المتحف بأنّها "صندوق الحرب الإمبراطوريّ".

 

المقاومة من خلال المتاحف

في الوقت الّذي يواجه فيه الفلسطينيّون الرعب العسكريّ الإسرائيليّ المستمرّ، قد يبدو عنف المتاحف غير مهمّ؛ لكنّه يذكّرنا بإمكانيّة تسليح التاريخ والتراث. لذلك؛ فإنّ استخدام أدوات التاريخ والتراث ذاتها أمر أساسيّ لمقاومة القمع الإسرائيليّ. في الولايات المتّحدة، يسعى «متحف الشعب الفلسطينيّ» في واشنطن العاصمة إلى الحفاظ على التاريخ والفنون والثقافة الفلسطينيّة والاحتفاء بها. وقد شهد المتحف زيادة في متوسّط الحضور الشهريّ من 132 شخصًا في 2022 إلى 277 شخصًا في 2023، في ظلّ تغيّر التصوّر العامّ لصالح فلسطين في أمريكا.

في عام 2016، افْتُتِح «متحف فلسطين» في بير زيت في الضفّة الغربيّة المحتلّة. كان المعرض الأوّل بعنوان «تحيا القدس»، الّذي عرض الجانب الحيّ لمدينة منكوبة بالعسكرة الإسرائيليّة، والإغلاقات، والسياسات الاستبعاديّة الّتي تستهدف الفلسطينيّين.

قد يستخدم المستوطنون السرد التاريخيّ والتراث لمحو أثر وجود الفلسطينيّين في الأرض المقدّسة، لكنّ هذه الجهود الفلسطينيّة تُظْهِر كيف من الممكن تحدّي تلك الجهود بردّ واحد جريء: "نحن هنا، ونحن موجودون".

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا.